أكدت دراسة اجتماعية متخصصة، أن 60 في المائة من الأزواج يمارسون عملية
الاستنزاف المادي، واستغلال مفهوم القوامة على المرأة، خاصة العاملة،
باتباع ثقافة «هذا وإلا»، بحسب معدها الدكتور محمود الكسناوي،
الباحث الاجتماعي والتربوي بجامعة أم القرى.
وتشير الدراسة إلى أن فرض الثقافة المذكورة على الزوجة الموظفة، تقودها
للرضوخ إلى الضغوط صاغرة، خوفا من الطلاق، وسعيا خلف كسب جزء من الحرية
الإنسانية, وبهذا تقدم ما تتقاضاه شهريا من راتب إلى زوجها أو ولي أمرها،
حتى تتمكن من توفير الاستقرار الأسري، وتسهيل أمور الحياة البعيدة عن توفير
متطلباتها الشخصية، على الرغم من أحقيتها في ذلك شرعا وقانونا.
وأكد الدكتور الكسناوي لـ«الشرق الأوسط» أن 60 في المائة من الأزواج
يمارسون الإلزام والاستغلال المادي على الزوجة العاملة، بهدف استنزافها
ماديا لإنهاء التزاماتهم المادية، ودخول سوق العقار أو بناء منزل، دون
مراعاة لاحتياجات الزوجة، وهذا - بحسب تعبيره - يفاقم المشكلات الأسرية
التي قد تنتهي بالطلاق، الذي يعاني منه المجتمع السعودي في الوقت الحالي.
وأضاف «البعض من الأزواج يطالب الزوجة بإعطائه مبالغ طائلة، قد تصل إلى
إلزامها باقتراض مبلغ ضخم، لإنهاء بناء المنزل الأسري، الذي سبق أن أوهمها
به لتصطدم بواقع زواجه من أخرى، وإسكانها في المنزل، الذي اقترضت من أجله
المال، وهذا يسبب لدى الزوجة المستغلة صدمة نفسية قد تؤثر عليها وتفقدها
الثقة بقدسية الزواج، لتبحث بعد ذلك عن الطلاق أو الخلع».
وأشار الدكتور الكسناوي إلى أن قضية راتب الزوجة تعد من القضايا الشائكة في
المجتمع السعودي، التي أسهمت في تفاقم قضايا الطلاق والهجر والغدر، وتابع
«الكثير من الزوجات يرين أن الزوج يسلبهن حقهن في الراتب الشهري، وذلك
بإثارة المشكلات وإضافة متطلبات أسرية حياتية تضعف أمامها الزوجة، فتقدم
الخضوع الإجباري، حتى تحافظ على كيان أسرتها وأمن أطفالها».
وأبان الباحث الاجتماعي أن أغلب الأزواج في الوقت الحالي يبحثون عن الزوجة
العاملة، إما لاستغلالها ماديا في بناء مستقبله، أو للتعاون في ما بينهما
لبناء مستقبل الأسرة، وهذا النوع الأخير يشكل ما نسبته 40 في المائة، ولا
ضرر من التعاون، شريطة موافقة الزوجة. وهنا يذكر الكسناوي أن من طبيعة
المرأة الميل إلى الحياة الأسرية ومراعاة أطفالها، فتجد أن التعاون سبيل
رئيسي يؤمن جوانب الراحة لديها.
وأردف «وعلى الرغم من ذلك كله، فإننا نجد أن شريحة معينة لا تتجاوز العشرة
في المائة ترفض رفضا باتا مشاركة الزوج في النظرة المستقبلية للحياة
الأسرية، فتؤمن لنفسها متطلبات المستقبل الذاتي، دون مراعاة للكيان الأسري،
لتنفرد بعقار خاص وحياة خاصة، بينما الزوج يقف مشاهدا لكل ذلك الزخم
الحياتي المخملي للزوجة والضحية هنا هم الأطفال.
وحول الحرية والرغبات الحياتية، يؤكد الدكتور محمود أن بعض الزوجات تهرب من
القمع والرفض لرغباتها الصغيرة والبسيطة بإسكات الزوج وإعطائه نسبة كبيرة
من راتبها الشهري، وبذلك تتمكن من قضاء وقتها بجانب صديقاتها وبحدود
المسموح. ولفت الباحث الاجتماعي إلى أن تلك الشريحة من النساء العاملات لا
تشكل ظاهرة، بل هي نسبة بسيطة تقبع تحت قضية استغلال راتب المرأة العاملة،
إلا أنها بشكل آخر.
من جهتها أوضحت لـ«الشرق الأوسط» مها يوسف، وهي سيدة عاملة، أن قضية
استغلال الزوج لراتب الزوجة بدأت تجسد أسباب الطلاق في المجتمع السعودي،
وأردفت «استمر زواجي 25 سنة لينتهي بالطلاق بعد أن تزوج زوجي بأخرى، إلا أن
زواجه لم يكن السبب الرئيسي لمطالبتي بالطلاق، بل لطريقة استغلاله لي
وإقناعي بأن ما أقدمه من ولاء مادي سيؤمن مستقبلي ومستقبل أبنائي، وعلى ذلك
قدمت طلب قرض، ووفرت من راتبي الشهري لأعطيه حتى ينتهي من بناء منزلنا،
الذي طالما حلمت بالسكن فيه أنا وأبنائي».
واستطردت بالقول «بعد انتهائه من التزاماته المادية، شرع في الزواج بأخرى،
ليسكنها في المنزل الذي قضيت عمري أجمع المال لإكماله، وهذا سبب لي صدمة
عاطفية ونفسية، ووجدت أن الطلاق الحل الوحيد الذي سيخرجني من أزمتي، ويعيد
لي جزءا من كرامتي التي تبعثرت على يد والد أبنائي».
ولتسليط الضوء على الرأي الشرعي في ذلك، بين الشيخ محمد النجيمي، عضو
المجمع الفقهي الدولي وعضو لجان المناصحة، أن الراجح من قول العلماء أن
الزوجة لها كامل الحرية في أن تتصرف بمالها دون إذن زوجها.
وزاد النجيمي «راتب الزوجة يعتبر جزءا من مالها الذي تملكه وحق لها، وعلى
ذلك فلها أن تتصرف فيه بما شاءت، ما دام هذا التصرف داخل دائرة الحلال،
وهذا يتوافق مع تكريم الإسلام للمرأة، ولأن ذمة المرأة المالية مستقلة عن
ذمة الرجل في الإسلام سواء كان زوجها أو ولي أمرها من أخ وأب أو خال وعم،
وهذا من مفاخر الشريعة الإسلامية التي أعطت المرأة أهلية كاملة في التملك
والتصرف».
وأكد أن مجمل الحالات التي يتم التراضي فيها بين الزوجين، سواء في ما يتعلق
بالعمل أو ما تتقاضاه الزوجة من راتب أو النفقة يتعامل معها الإسلام
بالتيسير والسماحة، فيجوز شرعا أن يتنازل كل واحد من الزوجين للآخر عن حقه
أو بعضه.