حملة ضد الفنان التونسي محسن الشريف عبر الفايسبوك |
أظهرت
مقاطع فيديو بثّت على شبكة "فايسبوك" الاجتماعية فنانا تونسيا يهتف بحياة
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتكون قادحا لحملة شعواء ضد ثلة
من الفنانين قيل إنهم سافروا لإسرائيل وأحيوا حفلات غنائية هناك، واشتدّت
الحملة ضدّ الفنانين لتصل حدّ المطالبة بسحب الجنسية وطردهم من تونس
وقتلهم.
تونس:
لم يكن الفنان التونسيّ محسن الشريف يعتقد أنّ الموقع الاجتماعيّ
"فايسبوك" الذي انضمّ إليه وانشأ عليه صفحة "مُعجبين" للتعريف بحفلاته
وأغانيه، سيكون السبب في "الدعوة إلى سحب الجنسية التونسيّة منه" وتهديده
بـ"القتل والنفي إلى خارج البلاد".ويشهد "فايسبوك" التونسيّ منذ مساء الأحد
حالة من الاحتقان بعد أنّ بث شاب إسرائيليّ على صفحته مقطع فيديو يظهر
الفنان محسن الشريف وهو يهتف بحياة كل من الرئيس التونسي زين العابدين بن
علي و رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وفور
اكتشاف المقطع الذي يبدو أنّ تصويره تمّ في مدينة "إيلات" بحضور يهوديّ
وإسرائيلي كثيف، شنّ عدد كبير من مستعملي الانترنت هجوما على الفنان محسن
الشريف وأنشأوا ضده عددا من المجموعات لعلّ أضخمها الصفحة المُسماة "من أجل
سحب الجنسية التونسية من الفنان محسن شريف" والتي تمكّنت خلال بعض ساعات
من استقطاب قرابة الثلاثين ألف تونسيّ. وكال مشتركو تلك الصفحة الشتائم ضدّ
محسن الشريف في حين أظهرت تعليقات على الصفحة ذاتها دعوات صريحة لقتله.
وعلى رغم من تعدّد الروايات حول مقطع الفيديو محلّ الجدل، إلا أنّ الفنان
محسن الشريف لم يعلقّ بشكل جديّ إلى حدّ اللحظة على الاتهامات والشتائم
التي وجهت وعلى رأسها تهم "العمالة والخيانة" و"التودد" إلى القادة
الإسرائيليين.
ويتحاشى
الشريف منذ الأحد الماضي الحديث مع وسائل الإعلام أو التعليق على الموضوع ،
وباءت محاولات مراسل إيلاف للاتصال به ومعرفة وجهة نظره في الموضوع
بالفشل.
ويرى
البعض أنّ الحفل الذي هتف خلاله الشريف بحياة كلّ من الرئيس زين العابدين
بن علي وبنيامين نتنياهو في ربط وتزامن أثار حفيظة الكثير من التونسيين، قد
أقيم في بلد غير إسرائيل لكن بحضور جالية يهودية ، إلا أنّ فريقا آخر قام
بتأويل عبارات الفنان محسن الشريف في الحفل ذاته لما قال : نلتقي قريبا في
شهر مايو (شهر 5) في الغريبة في جزيرة جربة"، على أنها دليل قطعيّ أنّ
الحفل لم يقم في تونس بل في مدينة "إيلات التي ذكرت بعض التقارير أن الفنان
الشريف لا ينفي تردده عليها سابقا.
وعلى
صفحته الرسميّة على شبكة "فايسبوك" ذكر الفنان "المتهم" محسن الشريف في
تعليق له أنه "لا يعرف من يكون نتنياهو، وأن الحكاية لا تتعدى إطارها
الاحتفالي، وحاول التقليل من شأن الحادثة مستغربا الجدية المفرطة التي
تعامل بها البعض تجاه موضوع احتفاليّ". الحملة غير مسبوقة التي أطلقت على
الموقع الاجتماعي "فايسبوك" لم تستهدف محسن الشريف فقط، بل امتدت لتشمل
كلا من الفنانين عبد الوهاب الحناشي والفنان الشعبي نور الدين الكحلاوي.
وأظهرت
مقاطع الفيديو التي بثت على النت الفنان محسن الشريف وهو يصرخ أمام جمهور
يهوديّ "يحيا بيبي نتنياهو" وبيبي هو اسم الشهرة لبنيامين نتنياهو رئيس
الوزراء الإسرائيلي وبدا من الواضح من خلال مقاطع الفيديو أن الحفل أقيم
لفائدة جالية يهودية ولا يُستبعد أن يكون قد أقيم في إسرائيل خاصة وأن
الفنان محسن الشريف يظهر في تلك المقاطع وهو يقول لجمهوره إنه يتمنى رؤيتهم
في معبد الغريبة اليهودي في جزيرة جربة ،كما شارك في الحفل نفسه الفنان
الشعبي نور الدين الكحلاوي الذي اكتفى بالغناء حسب مقاطع الفيديو كما أظهرت
المقاطع نفسها الفنان عبد الوهاب الحناشي وهو من ضمن الحضور.
يقول
الصحافيّ أيمن الرزقي معلقا على الحادثة: "بقدر ما ساءني أن ينادي مغنٍ
تونسي - وليس فنانا - بحياة بيبي نتنياهو...فانه ساءني أيضا كذلك الكم
الهائل من الشتائم التي وردت على صفحات فايسبوك والتي تكشف الخلط الرهيب
لدى التونسيين بين اليهود والصهاينة". ويقول الرزقي لـ"إيلاف": الفنان جمع
في هتافاته بين حياة الرئيس بن علي وحياة نتنياهو ، ونحن نتذكّر أنّ آخر من
جمع بين الرئيس بن علي وزعيم إسرائيلي هو المحامي محمد عبو الذي قارن بين
الرجلين في مقال له فنال سنتين سجنا، ولئن كنت مقتنعا أنّ الحال مختلف هنا،
فإنني أتساءل كيف ستجازي السلطات محسن الشريف خاصة وان له عروضا في مهرجان
المدينة في رمضان".
الحملة
التي أطلقت ضدّ الفنان محسن الشريف وزملائه الذين غنوا في مكان يشتبه أنه
إسرائيل لم تكن مُمنهجة ولم تتضمن اقتراحات عملية كاللجوء إلى القضاء مثلا ،
بل اكتفى منظموها بفسح المجال أمام الشباب والمشتركين لشتم الفنانين
ونعتهم بـ"الخيانة والعمالة" والتهكم عليهم بواسطة صور كاريكاتورية أو
تركيب صور تظهر علم إسرائيل بجانبهم وغيرها من وسائل الاحتجاج والتعبير.
وفي
تصريحات لـ"إيلاف" استغرب فتحي الرحماني وهو أحد مؤسسي "الحملة الشعبيّة
لنصرة المقاومة ومناهضة التطبيع" وهي حركة الكترونية تهدف للتشهير بالتطبيع
مع إسرائيل، صمت السّلطات التونسية وعدم تعليقها عمّا حدث رغم أنّ الإساءة
قد طالت الرمز الأوّل للحكم. ويقول: "في اعتقادي الحكومة تريد أن تنأى
بنفسها عن الخوض في مسألة حسّاسة مثل مسألة التطبيع مع الكيان
الصهيوني،وتسعى لإبقاء هذا الموضوع في دوائر ضيّقة بعيدا عن الضوء، طالما
أنّها في المعلن تنفي وجود علاقات من أيّ نوع مع دولة الكيان، وكلّنا نذكر
ما حدث في قمّة مجتمع المعلومات حين تذرّعت الحكومة آنذاك بأنّ حضور الوفد
الصهيوني كان بدعوة من الأمم المتّحدة، وهكذا يظلّ التطبيع واقعا يتحسّسه
النّاس في مجالات شتّى وتواصل السلطة صمتها إزاءه".
من
جهتها دعت "نقابة كتّاب تونس" في بلاغ لها بخصوص الحادثة "كلّ المبدعين في
كل المجالات الفنية و الثقافية إلى الحيطة و التأنّي و الحذر في التعامل مع
جمعيات و منظمات أجنبية مشبوهة قد تكون غطاء مقنّعا لتكريس التطبيع".
وأكدت
النقابة "عزمها التصدّي لكل محاولات التطبيع، محذرة من أنها ستعتبر
"المطبعين خارج الإجماع الشعبي والثقافي المناهض لكل أشكال التطبيع و بصفة
آليّة لا لبس فيها خارج أطر الإبداع و خارج أطر نقابة كتّاب تونس."
وبخصوص
الحملات التي أطلقت ضدّ محسن الشريف وزملائه يرى فتحي الرحماني الناشط ضمن
الحملة الالكترونية المناهضة للتطبيع أنّ التونسيين عبروا في تعليقاتهم وفي
تحرّكاتهم عن استهجانهم كلّ أشكال التطبيع الثقافي والرياضي والاقتصادي
والسياحي، ويقول: "نلمس ذلك في الأنشطة الافتراضية مثل التعليقات ومجموعات
المناهضة للتطبيع وعبارات العداء للكيان التي تصدر عنهم، كما نلمسها في
ردود الفعل على أخبار التطبيع والمطبّعين من أمثال الفنانين أو رجال
الأعمال أو المثقفين، وندرك حجم الرّفض للتطبيع في الأدبيات النقابية عامّة
وبعض الأدبيات السياسية أيضا، ما يعني أنّ هنالك وجدانا شعبيّا رافضا
لقصّة التطبيع رغم المحاولات الرسميّة للسعي في هذا الاتجاه".
واستنادا
إلى فتحي الرحماني فإنّ هذه الظاهرة "تظلّ مرفوضة سواء صدرت عن أنظمة أو
جماعات أو أفراد،لأنّ عموم النّاس تعتبر أنّ المعركة مع إسرائيل لا تزال
مستمرّة وأنّ هذا الكيان لا يمكن أن يتحوّل إلى جار مهما فعل ومهما قدّم من
تنازلات، ولذلك تكون ردود الفعل تجاه محاولات التطبيع هذه عنيفة في
الغالب، وعادة ما ينظر إلى أصحابها على أنّهم أعداء يسيئون بسلوكهم
التطبيعي إلى مشاعر الملايين من المواطنين". ويختم قائلا: يجب أن تتحمّل
السلطة مسؤوليتها كاملة في ما يحدث، وعليها أن توضّح موقفها من العلاقة مع
الكيان أمام الرّأي العام، وفي المقابل سيظلّ النّاس وفي مقدّمتهم نخب
الممانعة من نقابيّين وحقوقيّين وسياسيين يتصدّون لكلّ أشكال التطبيع
ويبحثون عن السبل والأطر المناسبة للتحرك".
يشار
إلى أنّ عدد اليهود في تونس يتجاوز الألفين يقيم أغلبهم في جزيرة جربة في
الجنوب حيث أقدم معبد يهوديّ في القارة الإفريقية ويسمى "الغريبة". وتشير
بعض الإحصاءات إلى أنّ عددهم كان يبلغ نحو مئة إلف شخص قبل إنشاء دولة
إسرائيل عام 1948 موزعين أساسا بين جربة وتونس العاصمة وغادر معظمهم تونس
بعد أن نالت الاستقلال عام 1956 في موجات تزامنت بشكل خاص مع الحروب
العربية الإسرائيلية وتوجهوا أساسا إلى فرنسا وإسرائيل. وعادة ما تتسرّب
أنباء عن توافد مغنين تونسيين إلى إسرائيل للمشاركة في احتفالات جاليات
تونسية هناك، لكنها المرة الأولى التي تتسرب فيها مقاطع فيديو وصور تشير
إلى أسماء هؤلاء الفنانين. وليس لتونس علاقات دبلوماسية مع إسرائيل لكنهما
تبادلتا في عام 1996 فتح مكتبين لرعاية المصالح وعينت كل منهما "مندوبا
دائما" فيه وأُغلقت هذه المكاتب في أكتوبر تشرين الأول عام 2000 بمبادرة من
تونس بمناسبة انطلاق الانتفاضة الفلسطينية.